|   18 أبريل 2024م
السابقالتالي


  

كتب الطالب- محمّد بن سيف العبري:

        تحت رعاية الدّكتورعبدالله بن سيف التّوبي -عميد كلية العلوم الآداب بالجامعة-، وبحضور عددٍ من أساتذة قسم اللّغة العربية بالجامعة نظّم مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدّرسات العربيّة بالجامعة يوم الخميس (27/ 2/ 2014م) محاضرةً بعنوان "التّحوّلات في المصطلح النّقدي الأدبي" للأستاذ الدكتور توفيق الزّيدي -أستاذ النّظريّات النقديّة في الجامعات التّونسيّة. وقد بدأت المحاضرة بتقديم للدّكتور بدر بن هلال اليحمدي -مدير إدارة الشّؤون التّعليميّة والتّدريب بمركز السّلطان قابوس العالي للثّقافة والعلوم-، وإدارة الدّكتور محمّد بن ناصر المحروقي –مدير مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي بالجامعة-. حيث تمّ التّعريف بالأستاذ الدّكتور توفيق الزّيدي –أستاذ النظريّات النقديّة في الجامعات التّونسيّة- وخبرته العلميّة وإنتاجه النّقدي والأدبي.

       أستاذ النظريّات النّقديّة في الجامعات التّونسيّة يلقي محاضرةً عن \"التّحوّلات في المصطلح النّقدي الأدبي\" افتتح الدّكتور حديثه بالإشارة إلى أنّ عُمان قد حقّقت ما يرجوه كلّ عربيّ اليوم في الجمع بين الأصالة والمعاصرة في جميع التّخصّصات، منوّهًا أنّ خدمة اللغة العربية الهدف البعيد في تحقيق التمازج بين التّراث والحداثة؛ فالدراسات الأدبيّة تسعى اليوم إلى الإتيان بمثل هذا التّمازج الّذي تبحث عنه الشّعوب العربية، وأضاف أنّ هذا الأمر وجده في عُمان وفي الجامعات العُمانيّة، وفي جامعة نزوى الّتي نسمع عنها الكثير؛ مشيرًا إلى أنّ هذا العنوان اقترح عليه، ويقول حينما نتناوله من الزّاوية الأكاديميّة ليس بالأمر اليسير. فتطوّر المصطلح النقدي هو مشروعٌ يجب أن تكفله مؤسّسةٌ أكاديميّةٌ تعنى بهذا الجانب. مشيرًا إلى أنّ المصطلح أمرٌ كبيرٌ في الدّراسات العربيّة لم تتعوّد عليه، وليس بالأمر السّهل. فالمصطلح في الحقيقة يبدو وكأنّه لفظةٌ واحدةٌ، وهو في حقيقة الأمر المتصوّر الّذي يجري في ذهن المتكلّم إلى المتلقّي. مضيفًا أنّ هذا المتصوّر يخرج إلى الوجود بواسطة علامة، فالعلامة قد تكون صورةً أو رقمًا، وقد تكون حروفًا أو كلمة. ونحن نعني بالمصطلح النقدي انتماء من العلامات اللّغويّة، فلا بد من الأخذ بمبدأ التّجزئة عندما نقف عند المصطلح، فالتجزئة مبدأها راسخ اليوم في العلوم، والعلم يتولّد عنه العلم في الطّب أو في علوم الأحياء، والأمر نفسه في العربية، مشيرًا إلى أنّ التجزئة قد تساعدنا في كثيرٍ من الأمور الإجرائيّة عندما نعنى بدراسة المصطلح. فالمصطلحيّة علمٌ من إنتاجٍ غربيٍّ ليس لنا مقامٌ فيها، وهذا واقعٌ يجب أن نقرّ به؛ فمساهمات العرب في هذا الجانب قليلةٌ لا ترقى إلى المستوى الّذي وصل إليه الغرب، مشيرًا إلى أنّ المؤسّس الحقيقي للمصطلحيّة في الغرب هو (فوستير) الّذي كان يعمل مهندسًا في الكهرباء والتّقنية؛ حيث تعلّقت أطروحته بالمصطلحات التّقنيّة، وتوصّل إلى أمورٍ كثيرةٍ ومنابع كبرى اتّبعها المصطلحيّون بعد ذلك. وبالرجوع إلى ما قبل (فوستير)، وتحديدًا في القرن الثّامن عشر الميلادي نجد أنّ هناك نشاطًا مصطلحيًّا قليلا قد عمل بمبدأ التّجزئة في إيجاد المتصوّر، وإيجاد العلامة، وكيف نقيم علاقاتٍ بين هذين الجزئين؟ أي بين الوحدة المصطلحيّة والوحدات الأخرى، فالفضل يعود إلى (فوستير) في كونه أرسى مبادئ كبرى في هذا العلم، وأهمّ ما نتج عن هذا الباب جانبٌ منهجيّ استفيد منه في الدّراسات المنهجية بعد ذلك.

        ويؤكّد الأستاذ الدّكتور الزّيدي على أنّ هذا المصطلح كانت انطلاقته الحقيقيّة من الأمور التّقنيّة من الصّناعة وما إليها، فبحث هؤلاء في الأمر عندما وجدوا ترادفًا مصطلحيًّا، وأنّ لديهم منتوجًا مصطلحيًّا يجب أن يستعمل مصطلحًا واحدًا، وهو ما يسمّى "بالتّنميق" فهو حلم كان يراود المصطلحيّين، وهو أنّ لكل متصوّر علامة واحدة، فكثرة العلامات لا تستقيم خاصّةً مع الصّناعة، وهذه مشكلةٌ كبرى عندما نعالج المصطلحات. موضحًا أنّنا لم نعد في هذه المرحلة الفعليّة نبحث عن تنميط، وإنّما نبحث في المصطلح في اختلافاته المتعدّدة؛ أي: السّياقات المتعدّدة، عندما نجد مصطلحًا طبّيًّا أو ما شابه فإنّك تجد ترادفًا عند المستعمل، مضيفًا بأنّ المجامع العلميّة العربيّة لها مصطلحاتها، وتجري بشكلٍ معيّن، لكنّها وللأسف لم تستعمل، وهذا الأمر يحيل إلى الفناء والزّوال، فالجانب السّياقي في التّنوّع هو الّذي أصبح المصطلحيّون يهتمون به. مشيرًا إلى أن هناك أمرًا آخر يتعلّق بدراسة المصطلح في السّياق الاجتماعي أو ما يسمى "السّوسيولوجيا" المصطلحيّة الاجتماعيّة، وهذا أمرٌ جديدٌ بعد (فوستير)، ولكن الغرب حسب مبدأ التّحوّل والتّوالد عندهم والنّقد الذاتي والمراجعة المعرفيّة المستمرة يُنشئون دائمًا علومًا وليدةً جديدة. "فأين نحن العرب في لغتنا العربيّة من هذا؟!". وأوضح الزّيدي أنّ المصطلحيّة تستحقّ مركزًا بحثيًّا مستقلًا في الوطن العربي، وهذا الأمر جماعيّ، ولا بد له من دعمٍ ماليّ كبيرٍ؛ فالمعرفة تتقدّم بها الشّعوب ولا سبيل إلى المعرفة إلا اذا طبق هذا في حياتنا، مشيرًا إلى الحلّ المنطقي الّذي يتمثّل بتوجيه خرّيجي الدّراسات العُليا بدراسة المصطلحيّة، ولتتبنى جامعة نزوى هذا المشروع.

أستاذ النظريّات النّقديّة في الجامعات التّونسيّة يلقي محاضرةً عن \"التّحوّلات في المصطلح النّقدي الأدبي\"

        وفي حديثه عن تطور المصطلح النّقدي يقول: بدأ المصطلح علميًّا تقنيًّا في الدّيار الغربيّة، وفرض علاقة على الدّراسات الأدبيّة، وهنا نتحدّث عن المصطلح النقدي: كيف لي أن أعدّل ما جاء عن المصطلح التّقني اليوم في علوم أخرى، وأنا أعالج المصطلح النّقدي، حيث يقول إنّ هذه معضلة كبرى وصعوبة في الدّراسات، وهو يطرح التّساؤلات الآتية: هل من الممكن أن نبحث عن مصطلحٍ واحدٍ في الدّراسات النّقديّة في العلوم؟ وهل يمكن أن تكون هناك علامةٌ لغويّةٌ واحدةٌ لكلّ متصوّر نقديّ؟ وهل هذه معضلة أم مشكلة في القديم والحديث؟ وذكر أنّ الأمر الثاني في الوقوف عند المصطلح النّقدي هو مدى اتّصال المصطلح النّقدي بالنّظريّة النّقديّة قديمًا وحديثًا، فعندما يكتب الآمدي كتابه "الموازنة"، ويكتب أودنيس "الثّابت والمتحوّل" ما مدى علاقة ذلك المصطلح المزروع في سياق الألفاظ أو علاقته بالرّؤية الجماليّة لديه. وهذا الأمر يطالعنا في المصطلح النقدي مشيرًا إلى أنّ هناك علاقةً بين المصطلح والرّؤية الجماليّة، وكأنّ المصطلح هو مفتاح تلك النّظرية، ولذلك البحث في المصطلح لا يمكن أن يكون عملًا معجميًّا. كما يطرح الباحث سؤالًا: كيف اتّصلت تلك المصطلحات ضمن النّظريّة لدى النّاقدين؟ ومن ثم يقول إنّ هناك أمرًا مهمًّا يتعلّق بخصوصيّة المصطلح النّقدي بما أنّه يتّصل بالرّؤية النّقديّة لدى النّاقدين. مضيفا أنّ للمصطلح النقدي جانبًا مهمًّا في البشريّة، وهذا أمرٌ كبيرٌ يطالعنا في النّقد القديم حينما نتحدّث مثلًا عن "الذّوق"، فالمصطلح النقدي لا يتحدّث عن الذّوق، ولا يتحدّث عن الطّبع والصّنعة، مؤكّدًا أنّه ليس كلّ ما هو في المصطلح التّقني سأجده في المصطلح النّقدي.

         ويستطرد الزّيدي في حديثه عن مصطلح التّطور النّقدي قائلًا: إنّ هذا الأمر ليس باليسير؛ بمعنى كيف أدرس التّطوّر؟ هل أعني به المسار الزمني العادي من سنةٍ إلى أخرى أم أعني به نشأة المصطلح؟ وكيف ترعرع ونما واكتمل؟ هل هذا المقصود بالتّطوّر. وللإجابة عن هذا الأمر لابدّ من دراسة الجانب المنهجي في دراسة التّطوّر في المصطلح، وهذا العمل ليس باليسير، وإنما لابد أن يكون مشروعًا أكاديميًّا. ويضيف أنّ التّطوّر هل هو تطوّر المتصوّر الّذي يجري في الذّهن أم هو تطوّرٌ في العلامة؟ وهذا الأمر سنراه في النّقد الحديث، هل المتصوّر الّذي يجري في أذهانهم يجري في أذهاننا؟ وما العلامة الّتي سنعبّر بها عن هذا المتصور؟ هنا تبرز قضية أخرى وهي من منّا يستطيع اليوم أن يوقف هجرة المصطلحات العلميّة الغربيّة إلى النّقد العربي...؟! لا أحد. فالحل بأن تلتقط الأدمغة، وأن يقام مركزٌ عربيٌّ في المصطلحيّة، ولا نفعل كما فعل شعراؤنا عندما انتهت أو ماتت الرّومانسيّة في الغرب قاموا بها بعد فوات الأوان، وهذا الشّيء نفسه يجري مع المصطلح، فلابد أن يُخصّص مؤتمرٌ في هذا الباب، ويضيف أنّ الحلّ -وبرأيه المنطقي- لا يتمّ إلا بتحديث النّقد القديم والتّمازج بين الحداثة والتّراث، والأخذ بما في القديم من مهمّ يتماشى مع العصر وحاجته، ودمجه ضمن المصافّ النّقدي العام؛ بمعنى: ماذا يبقى من عبدالقاهر الجرجاني في كتاب "الوساطة" أن يستعمل؟ وماذا يبقى من كتاب "الإعجاز القرآني" للجرجاني ليستعمل في عصرنا؟ وهذه قضية تتعلّق بالمدوّن القديم أصطفيها واستخرج منها ما هو جديد لأستعملها، ويضيف: إنّ القدماء أنتجوا المعرفة، ونحن لم ننتج بعد المعرفة فنحن قصّرنا في ذلك. فالجامعة في العالم العربي لها دورٌ هامٌّ في هذه المسؤوليّة، فالجيل القادم عليه هذه المسؤوليّة.

          وذكر المحاضر أنّ الإشكاليّة في دراسة المصطلح النّقدي القديم هي كيف أجمع المصطلحات القديمة، ويقول: أجمعها على بطاقات ولها مقاسٌ عالميّ، وهذا ما يطلق عليه اليوم البنوك المصطلحيّة القديمة، وبعد ذلك تصبح الكترونيّة بمعنى رصد المصطلح القديم وجمع المصطلحات القديمة كلّها. وبعد رصد المصطلح القديم نجد أن هناك قضايا إجرائيّة كيف أدرس المصطلح هل أدرسه آليًّا أم زمنيًّا أم أدرسه من خلال كتابٍ واحدٍ أم أدرسه ضمن كتابين ومن ثمّ ما علاقة مصطلحات الآمدي بمصطلحات ابن سلام الجمحي مثلا؟ مشيرا إلى أنّه لا يمكن أن يفهم النّقدي العربي الحديث دون فهم النّقد الغربي، ولا يفهم النّقد الغربي دون الرجوع إلى التّراث اليوناني، ولا يذكر ابن سلام ولا الآمدي ولا غيره ممن يشتغل بالنّقد الحديث. ويذكر أنّه لم تكن هناك قطيعةٌ معرفيّةٌ بين فنّ الشّعر لأرسطو وبين ما يجري في مناهج الغرب. ويختتم الدّكتور محاضرته بقوله: لا بد من دراسة المصطلحات النّقديّة الحديثة سياقيًّا بعد جمعها، كما أنّه لا بد لنا من دراستها دراسةً مقارنيّةً مع المصطلحات الفرديّة في أصولها؛ وذلك للتّثبت من أموره المتصوّرة بالمصطلحيّة. وكيف نشأت عند صاحبها لا أن تستعمل علامة وانتهى، فكأنّ الأمر أن نأتي بالعلامة على أن المتصوّر الحقيقي لا يهمّنا.

         الجدير بالذّكر أنّ الأستاذ الدكتور توفيق الزّيدي له العديد من الكتب المنشورة مثل: "أثر اللّسانيّات في النّقد العربي الحديث"، و"جدليّة المصطلح وعمود الشعر في علوم النّقد الأدبي"، و"تحديث قراءة التّراث وتأسيس الخطاب النّقدي". وهو يرأس لجنة الدّكتوراه في بعض الجامعات التّونسية وعضو محكّم في جائزة الملك فيصل للآداب. وتأتي هذه المحاضرة في إطار الجهود الّتي تبذلها جامعة نزوى في إيجاد جسر من التّواصل بين الجامعة وطلبة الدّراسات العُليا.