|   19 أبريل 2024م
السابقالتالي


مساعد المفتي العام للسَّلطنة يزور الجامعة ويلقي محاضرةً بعنوان \"أولويَّات الشَّباب في الميزان\" 

 

كتب- عبدالله بن محمَّد البهلاني:

استضافت الجامعة الإثنين الماضي (26/12/2011م) فضيلة الشَّيخ الدُّكتور كهلان بن نبهان الخروصي – مساعد المفتي العام للسَّلطنة-، وتأتي هذه الاستضافة ضمن سلسلة مشارق الفكر الَّتي تنظِّمها الجامعة، وتستضيف فيها عددًا من العلماء والمفكِّرين والمشايخ لإثراء السَّاحة العلميَّة في المجتمع. وقد قدَّم فضيلة الشَّيخ كهلان الخروصي محاضرةً بعنوان "أولويَّات الشَّباب في الميزان" بدأها بشكر جامعة نزوى على حسن الضِّيافة. بعد ذلك عرَّج على ذكر سبب انتقائه لموضوع أوليَّات الشَّباب في الميزان؛ حيث قال: إنَّ هذا الموضوع بالغ الأهميَّة، ويحتاج منَّا إلى البحث عن إجاباتٍ عن التَّساؤلات الَّتي تدور حوله، ثمَّ إنَّه لا بدَّ من رسم معالم لأوليَّات الشَّباب المسلم في العالم المعاصر. إضافةً إلى أنَّ هذا الموضوع لم يدرس دراسةً متفحِّصةً والمصادر والبحوث المتعلقة به شحيحة.

          وأوضح فضيلة الشَّيخ الخروصي معاني مفردات عنوان المحاضرة، قائلا: إنَّ الأولويَّات تعني ما هو أجدر بأن توجَّه إليه العناية، وأحقُّ ما يصرف إليه طاقة الإنسان، وأولى ما يشغل المرء به نفسه. أمَّا الشَّباب فهي مرحلةٌ ذهبيَّةٌ عامرةٌ بالطَّاقات الكامنة إن أحسن توجيهها إلى ما هو أولى لا ريب أنها تحدث أثرًا نافعًا في حياته بأسرها. والميزان المقصود به في هذه المحاضرة هو ميزان الشَّرع الحنيف النَّابع من كتاب الله وسنَّة نبيِّه – صلى الله عليه وسلَّم-.

وقد ضمَّن الخروصي محاضرته أربعة محاور؛ بدأها بشرح واقع الشَّباب المسلم اليوم، وأوضح أنَّ الشَّباب اليوم لا يعدون إلا أن يكونوا في ثلاث فئاتٍ: إحدى هذه الفئات فئةٌ تعاني من غياب الأولويَّات؛ حيث لا رؤية واضحة لديهم، ولا هدف سامٍ لهم في الحياة، وهي القلة القليلة من المجتمع. وهذا لا يعني صرف النَّظر عنها وعدم معالجة قضيَّتها بل لا بد من الاعتراف بوجودها، وهذه الفئة أشار إليها الحقُّ تعالى في كتابه بقوله في سورة المؤمنون: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ). أمَّ الفئة الثانية فهي الَّتي تعاني من خللٍ في ترتيب الأولويَّات وتنظيمها؛ حيث لا يعرف الشَّاب ما هو الأَوْلى بصرف الجهد والطَّاقة إليه، كما أنَّ هذه الفئة تمرُّ بأزماتٍ نفسيَّةٍ وصحيَّةٍ واجتماعيَّةٍ وتربويَّةٍ، ولا علاج لها إلى بترتيب هذه الأولويَّات وفق منهجٍ مخطَّطٍ وحكيم، وهذه الفئة جاءت إشارة إليها في الكتاب الحكيم في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)، فهذا توصيفٌ لحال هؤلاء الَّذين يتخبَّطون في هذه الحياة، فيحسبون أنَّ الموت والحياة إنَّما يقضِّيهما لهم الدَّهر فيصرفهم الدَّهر كما شاء. وأضاف: أمَّا الفئة الثَّالثة وهي القليلة فهي الفئة الَّتي لديها رؤية واضحةٌ وترتيبٌ لأولويَّاتها ضمن شرع الله.

وفي المحور الثَّاني من المحاضرة تحدَّث فضيلة الشَّيخ عن السبب في كون الشَّباب هم الأجدر بالحديث إليهم عن الأولويَّات الَّتي يجب أن يصرفوا إليها طاقاتهم، حيث أشار إلى أنَّ مرحلة الشَّباب مرحلةٌ بالغة الأهميَّة وشديدة الخطورة، فإنَّ بناء الأمم وصنع الحضارات وتقدُّم الأوطان يقوم بسواعد الشَّباب وعقولهم والملكات التَّي تكوِّنهم. وقد ركَّز القرآن الكريم على ذكر هذه الفئة ومن ذلك قول الله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)، وكذلك في قصص أنبياء الله إبراهيم وإسماعيل وموسى وغيرهم – عليهم السَّلام-، فلا بدّ من إيلاء الدِّراسة والعناية والنَّظر لهذه الفئة؛ فإن لم يحسن شباب الأمَّة ترتيب الأوليَّات فإنَّهم سيكونون عرضةً للضَّياع.

كما أشار فضيلة الشيخ مساعد المفتي العام للسَّلطنة إلى قصَّة سيِّدنا يوسف – عليه السَّلام-؛ إذ فيها ما يتعلَّق بموضوع الأولويَّات، وقال فضيلته: إنَّه يجب الإمعان في هذه القصَّة؛ فهي مركزَّةٌ على هذه القضية منذ الطُّفولة وحتى التَّمكين في الأرض. وأوضح أنَّ في قصَّة سيِّدنا يوسف ذكرٌ لأسباب النُّهوض الحضاريِّ للأمم والشُّعوب، وأنَّ الآية: (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىَ خَزَآئِنِ الأرْضِ إِنّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) ذات صلةٍ وثيقةٍ بموضوعنا اليوم وهي تلخيص لمنهج ترتيب الأولويَّات. وأجاب الخروصي في المحور الثَّالث على سؤال: ما هي أولويَّات الشَّباب في ميزان الشَّرع؟ وذكر بعض المعالم الَّتي تعين على فهم الواقع.

وقد بدأ هذه الأولويَّات بالدِّين؛ حيث قال: إنَّ أولى ما تصرف فيه الأعمار، وأحقَّ ما تبذل فيه المهج هو الدِّين عقيدةً وشريعة؛ فإنَّ الموضوع الغالب الَّذي يعالجه القرآن الكريم هو موضوع الإيمان، والله ما أنزل كتبه وما أرسل رسله إلا بدعوة الإيمان وعبادته - جلَّ وعلا- وهذا معنى الدِّين، فالدِّين هو ما يدين به المرء لله سبحانه وتعالى فتخضع بعد ذلك أقواله وأفعاله وتصرفاته وجوارحه وفقًا لما يدين به. والدِّين يحرِّر العقول من قيودٍ يمكن أن تهبوا بالإنسان إلى الدّرك الأسفل، والدِّين يشمل كلَّ مناحي الحياة وجوانبها بل وكلِّ مفرداتها. وهذا الدِّين لا ريب أنَّه نورٌ من الله سبحانه وتعالى لكنه أيضًا يحتاج إلى تسببٍ من العبد، وأن يهيمن نفسه لتلقي هدايات هذا الدِّين؛ لأنَّ الله تعالى يقول: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) وبعدها قال: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) والعلم في الآية هنا علمان: علم الفكر (العقل)، وعلم القلب.

          تطرَّق فضيلة الشَّيخ الدُّكتور كهلان إلى أولويَّة العلم باعتبارها الأولويَّة الثَّانية للشَّباب في ميزان الشَّرع، وقال: إنَّ من لطف الله تعالى بهذه الأمَّة أن جعل دين الإسلام دين علم، وجعل حضارتها حضارة علم، وأوَّل ما أوحى به على نبيِّه المصطفى – صلَّى الله عليه وسلَّم- قوله: (اقْرَأْ باسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق...)، وقال: (ن، والقلمِ وما يَسْطُرُون)، وأشار الخروصي إلى أنَّه للأسف الشَّديد أنَّ كثيرًا من الشَّباب لا يأخذون بأسباب التَّعلُّم، ويظنُّون بذلك أنَّهم بإمكانهم أن يصلوا إلى ما يريدون من مآرب وغاياتٍ، وأوضح أنَّ الله تعالى ربط الإيمان به بالعلم لأهميَّته، فلا يتحقَّق الإيمان أصلا إلَّا بالعلم والمعرفة، قال الله سبحانه: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).

وعن الأولويَّة الثَّالثة تحدَّث الخروصي عن العمل وكسب الرِّزق، وهو منصوصٌ عليه في كتاب الله تعالى وقد حثَّ الله عليه، ولا ينفع العلم بدون العمل، والعمل المقصود هنا هو السير في الأرض والكسب الحلال وعمارة الأرض بما يرضي الله سبحانه وتعالى، والإصلاح فيها وجلب المنافع للبشريَّة وللإنسانيَّة، ودفع المفاسد والمضار عنها، وقال إنَّ هذا من صميم ديننا، وهناك عددٌ من الأدلة الشَّرعيَّة على ذلك، فقد قال الله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى، وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَاقْرَأُوا مَاتَيَسَّرَ مِنْهُ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ).

بعد ذلك انتقل فضيلة الشيخ إلى الأولويَّة الرَّابعة للشَّباب، وهي الأخلاق وهي أمرٌ يستطيعه الجميع، ولا تستقيم حياتنا ولا يمكن أن نبلغ ما ننشده من أولويَّات إلَّا بالخلق القويم، وأوضح أنَّ الأخلاق موجودةٌ في كلِّ مناحي الحياة في الحركات والسَّكنات والأقوال والأفعال وغيرها. وذكر الخروصي في آخر الأوليَّات أوليَّة رعاية المسؤوليَّة، ومشاركة الشَّباب في بناء الوطن، والمسؤوليَّة مطلوبةٌ من الجميع من الصَّغير والكبير، الرِّجال والنِّساء، وغيرهم، واستشهد لذلك بقول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته، فالإمام راعٍ وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرَّجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولةٌ عن رعيَّتها، والرَّجل راعٍ في مال أبيه وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، فكلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته" فلا أحد يعذر من تحمُّل هذه المسؤوليَّة.

وفي المحور الرَّابع والأخير أجاب فضيلة الشََّيخ الدُّكتور كهلان عن من المسؤول عن تحقيق هذه الأولويَّات للشَّباب في الواقع المعاصر، حيث أشار إلى أنَّ هذه المسؤوليَّة تبقى على كلٍّ من الفرد والمجتمع، والمؤسَّسات والحكومات، غيرها، فلا بدَّ من التَّكاتف والتآزر لتوفير هذه الأولويَّات وتمكين الشَّباب من تطبيقها. وختم الخروصي محاضرته بالإجابة عن أسئلة الحضور واستفساراتهم. حضر المحاضرة الأستاذ الدُّكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي – رئيس الجامعة-، والمكرَّم الدُّكتور طالب بن عيسى السَّالمي – مساعد الرَّئيس للعلاقات الخارجيَّة-، وعمداء الكليَّات وعددٌ من الموظَّفين والموظَّفات، وطلاب الجامعة، وجمعٌ من أفراد المجتمع والمهتمِّين بسلسلة مشارق الفكر بجامعة نزوى.