|   26 أبريل 2024م

مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العربيَّة يكشف عن \

في إطار فعاليَّات الموسم الثَّقافي التَّاسع، نظَّم مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العربيَّة بجامعة نزوى يوم الثلاثاء (19/ 3/ 2013م) محاضرةً بعنوان "مراسلات سلاطين زنجبار" قدَّمها الدُّكتور محمَّد بن ناصر المحروقي – مدير المركز-، بحضور الأستاذ الدُّكتور عبدالله أم الزّين –نائب رئيس الجامعة للدِّراسات العليا والبحث العلمي-، وعددٍ من مسؤولي الجامعة، وجمعٍ من الأساتذة أعضاء الهيئتين الأكاديميَّة والإداريَّة في الجامعة، وطلاب الجامعة، وعددٍ من المهتمين بالتَّاريخ العماني والشَّرق الإفريقي.

وقد استهلَّ المحروقي محاضرته الأدبيَّة التَّاريخيَّة بمقدِّمةٍ عن تاريخ زنجبار وإرشيفها الحضاري حينما كانت تابعةً للدَّولة العُمانيَّة. وقال المحروقي: يحتفظ إرشيف زنجبار بمجموعةٍ مهمَّةٍ من المخطوطات والوثائق، خاصَّةً تلك الَّتي تبرز وجه زنجبار الإسلاميِّ العربيِّ في القرنين التَّاسع عشر والعشرين.وعلى الرَّغم من تغلغل النُّفوذ الغربي، البريطانيّ تحديدًا، على زنجبار في القرن العشرين فإنَّ الإصلاحات الثَّقافيَّة الَّتي قام بها السُّلطان برغش بن سعيد (1870/ 1888م) ممَّا يتَّصل بإنشاء المطبعة السُّلطانيَّة، وما استتبعها من نشاط حركة التَّأليف والطَّبع والصَّحافة، كان لكلِّ ذلك أهميَّةٌ في تعزيز دور زنجبار؛ رفدًا للحركة الإصلاحيَّة الَّتي انتعشت في العالم الإسلامي في تلك المرحلة. وتمثِّل مرحلة السُّلطانيين حمود بن محمَّد وعلي بن حمود الأكثر ثراءً ونشاطًا في زنجبار الإسلاميَّة قبل سقوطها عام 1964م. وقد قام الباحث في زياراتٍ مختلفةٍ إلى زنجبار ابتدأت منذ1992م بجمع الوثائق المتَّصلة بالجوانب المختلفة للحضور العُماني في الشَّرق الإفريقي.

مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العربيَّة يكشف عن \

وأشار إلى أنَّ زنجبار أسهمت في رفد حركة التَّأليف والطِّباعة في العالم الإسلامي من خلال الدَّعم الماديّ السَّخيِّ لبعض روّاد الإصلاح الدِّيني، مثل العلاّمة الجزائري المجدِّد محمَّد بن يوسف أطفيش الإباضي (1821/ 1914م). ولم يكن دعمها بهدفٍ مذهبيٍّ؛ ذلك أنَّ هذا الدَّعم يذهب أيضًا لرائدٍ من روّاد الإصلاح الإسلاميِّ وهو محمَّد رشيد رضا. ووجد الصَّحفيُّون من مختلف عواصم العالم الثقافيّة آنذاك في السُّلطانَيين داعمًا حقيقيًّا؛ فتواترت إليهما المراسلات الَّتي تطلب المعونة الماليَّة من القاهرة ودمشق وإسطنبول وحتَّى من لندن وباريس وأمريكا.ويقول الدُّكتور مدير مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّرسات العربيَّة إنَّه تمَّ انتخاب (130 وثيقة) من الوثائق الَّتي تكشف عن الدَّور المركزي لزنجبار في رفد حركة الإصلاح بالعالم الإسلامي. وتحدَّث المحروقي في محاضرته عن أربعة أقسام رئيسةٍ في المراسلات، هي: مراسلات العلماء، وقصائد المديح، والمراسلات الصَّحفيَّة، ومراسلات الأقران والأعوان. وقال إنَّ القسم الأوَّل يضم ثلاث مجموعات، هي: العلماء، والأئمة والأشراف، والكتّاب. حيث ترد رسائل هذه المجموعة من الشَّيخين محمَّد بن يوسف أطفيش والإمام محمَّد رشيد رضا. وتتركَّز مراسلات الشَّيخ أطفيش حول متابعة طبع كتبه في زنجبار والقاهرة. ويتردَّد ذكر الكتب التَّالية في المراسلات الَّتي بين أيدينا، وهي "الدَّعائم"، و"وفاء الضَّمانة"، و"أبو مسألة"، و"شرح كتاب النِّيل وشفاء العليل". وهي كتب لمشايخ آخرين قام القطب بشرحها.ويضيف المحروقي في هذا القسم: كان ظهور المطبعة السلطانية قد أدّى إلى نشاط حركة طباعة الكتب، وأسهمت لاحقًا في ظهور الصَّحافة العربيَّة في زنجبار منذ مطلع القرن العشرين.

وعند حديثه عن القسم الثَّاني من المراسلات والوثائق، يقول الدُّكتور محمَّد: تختص وثائق هذا القسم بنصوص الشِّعر ومراسلات الشُّعراء، ممَّا يقدّم القصائد والمقطوعات والتَّخميسات والرَّسائل الَّتي ترفع قصائد الشُّعراء في مدح السُّلطانَيين. وهو في ثلاث مجموعات؛ الأولى للشُّعراء، والثَّانية للشَّواعر، والثَّالثة للشِّعر المغنّى. وأشار إلى أنَّ المجموعة الأولى هي أوسع هذه المجموعات، ويحضر فيها شعراء من الشَّام بشكلٍ أكبر، ثمَّ من عُمان والجزائر. ومجمل قصائد المديح في المعاني التَّقليديَّة والاسترفاد، وهي في مجملها قصائد سليمة البناء. ومن شعراء عُمان نجد الشَّاعر الشَّهير محمَّد بن شيخان السَّالمي، وكذلك نجد ذكرًا لأوَّل مرَّة لشاعر يُدعى "سالمين".

وتطرَّق المحاضر في القسم الثَّالث من محاضرته إلى مرسلات الأقران والأعوان، ووصف وثائقها بأنها قليلة، وهي –كما يقول- تتَّصل بمكاتبات الأقران والأعوان ذات الطبيعة الإداريّة التواصليّة. فمن عُمان ترد إلى السيّد حمود رسائل من السُّلطان فيصل بن تركي يخبره فيها بالقلاقل السِّياسيَّة الحادثة في عُمان عمومًا، وما جرى من أحداثٍ في الرُّستاق. ورسالة من السَّيِّد علي بن حمود إلى أبيه السُّلطان حمود بن محمَّد. كتبها أثناء دراسته بإنجلترا شاكرًا والده على هدايا أرسلها إليه، ومخبرًا إيَّاه بظروف معيشته.

كما تحدَّث عن وثائق المراسلات في الصِّحافة، وأضاف: يضمُّ هذا القسم مجموعاتٍ متعدِّدةً يجمعها هدفٌ واحدٌ هو نقل الخبر. بعضها أخبارٌ منقولةٌ عن وكالة الأنباء العالميَّة "رويتر"، وبعضها أخبارٌ مختارة من"الجريدة الزِّنجباريَّة" المهتمَّة بالأخبار المحليَّة. وتتصل المجموعة الثَّالثة بنقل أحوال الدَّولة العثمانيَّة. وتضمّ المجموعة الرَّابعة –وهي الأوسع– رسائل صحفيِّين من مختلف أنحاء العالم إلى السُّلطانَيين البوسعيديَّين في موضوعاتٍ متعدِّدة. وقا المحروقي: إنَّ وثائق هذا القسم تكشف عن تدفُّق الأخبار إلى زنجبار في مرحلةٍ مبكِّرة جدًّا من القرن العشرين. كما تشير إلى تعدُّد مصادر تلك الأخبار بين وكالة أنباء ومخبرين شخصيِّين، كما هو الحال في أخبار الدَّولة العثمانيَّة، وصحفيِّين مبتدئين، كما في أخبار زنجبار، وصحفيِّين محترفين في المجموعة الأخيرة الخاصَّة بالصَّحفيِّين العرب والأجانب الَّذين راسلوا السُّلطانَيَّين ونشروا أخبارهما في صحفهم.

مركز الخليل بن أحمد الفراهيدي للدِّراسات العربيَّة يكشف عن \

وختم الدُّكتور محمَّد المحروقي محاضرته الثَّريَّة بعرض النَّتائج والتَّوصيات الَّتي خرج بها من درسته في مراسلات سلاطين زنجبار، وقال: توضّح هذه الوثائق الدَّور الَّذي قامت به زنجبار في دعم جهود الإصلاحيِّين من علماء ومفكِّرين وصحفيِّين، في مرحلة كانت من أكثر مراحل العصر الحديث اهتماماً بهاجس الإصلاح ومستقبل الأمّة الإسلاميّة في مطلع القرن العشرين. تقاطرت رسائل الإصلاحيين من مختلف عواصم الثقافة العربيّة التقليديّة كالقاهرة ودمشق وبيروت، ومن اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلاميّة آنذاك، ومن العواصم الغربيّة كلندن وباريس ومرسيليا، ومن الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وكلُّ ذلك يعزّز مكانة زنجبار عاصمة للثقافة العربيّة الإسلاميّة في تلك المرحلة التاريخيّة. وأضاف: إنّ تاريخ الحضور العُمانيِّ في الشَّرق الإفريقي وما له وما عليه سيحظى بدعمٍ معرفيٍّ موضوعيٍّ من خلال توفير هذه الوثائق وتحليلها وتقديمها للدَّرس العلميّ المنصف. كما سيعالج في الآن ذاته نقصًا على مستوى الكتابة باللُّغة العربيَّة المقدّمة للرُّؤية العربيَّة في مجريات الأحداث بزنجبار. هذه الرُّؤية تكتسب أهميَّةً إضافيَّةً عندما تكون مقتربةً درجة الالتصاق من الأحداث والرُّموز المحرّكة للأحداث. وأضاف المحروقي: وهنا تحضر حقيقة مفادها أنَّ أكثر الكتابات المتاحة حاليًّا عن ذلك الحضور هي كتاباتٌ غربيَّةٌ متَّهمةٌ من قبل بعض الباحثين العرب بالتَّحيّز والبعد عن الموضوعيَّة، نمّطت شخصيَّة العُمانيِّ في شرق إفريقيا في صورة المستعمِر، البعيد عن الالتزام بما تفرضه مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، ودون الغوص فيما تقدِّمه الوثائق والمصادر الجديدة الَّتي أنبأتنا بها الوثائق من معلومات، إذ إنَّ ذلك يخرج عن حدود البحث الحالي، فإنَّها ستخلق بتحقيقها ونشرها معادلًا علميًّا للرُّؤية الغربيَّة المهيمنة حاليًّا.