|   26 أبريل 2024م
السابقالتالي


         كرسيّ النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية، هو أحد أهم الرّوافد البحثيّة الاستراتيجية في جامعة نزوى، إلى جانب المراكز البحثيّة الّتي منها مركز دارس للبحث العلمي والتّطوير التّقني، إضافةً إلى المشاريع البحثيّة القائمة في كليّات الجامعة؛ حيث تؤدي كلّها مجتمعةً الوظيفة المحوريّة الّثانية لجامعة نزوى المتمثلة في إنتاج المعرفة عبر البحث العلمي. ومن المشاريع البحثيّة المهمّة الّتي يشتغل عليها كرسيّ "النباتات الطبيّة العُمانيّة ونواتج الأحياء البحرية" في الجامعة حاليًا، مشروع "اللبان العُماني"، وهو من المشاريع الرّائدة في مجال النّباتات الطبيّة العُمانيّة، حيث أعاد اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي. ومن أهمّ إنجازات المشروع – الّذي لا زال قائمًا- أنّ الباحثين القائمين عليه تمكّنوا من مضاعفة وفصل ونقية مادّةٍ في اللّبان العُماني جرّبت من قبل مجموعاتٍ بحثيّةٍ في العالم باستفاضة على عدد من الخلايا السرطانية، وأثبتت كفاءة عالية في القضاء على الخلايا المسرطنة. والمشروع تبنتّه جامعة نزوى ودعمته وتقوم بتمويله، كما أنّه حظي بتمويل من مجلس البحث العلمي بالسّلطنة.

        وفي هذا الإطار التقينا الدّكتور أحمد بن سليمان الحرَّاصي -أستاذ كرسيّ النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحريَّة، ومساعد العميد للدراسات العليا والبحث العلمي بكليّة العلوم والآداب-؛ ليقرّب لنا الصورة عن المشروع وأهمّيته وأهمّ النتائج التي توصّل إليها الفريق البحثي.

 \"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي

أجرى اللقاء- عبدالله بن محمّد البهلاني، جامعة نزوى:

نبذة عن كرسيّ النباتات الطبيّة العمانيّة ونواتج الأحياء البحريّة

        يقول الدّكتور أحمد الحرّاصي: يعد البحث العلمي في مجال النباتات الطبية العُمانية في جامعة نزوى أحد الفروع المهمة التي تنضوي تحتها أبحاث الكيمياء العضوية والتصنيعية، وأبحاث الأحياء الدقيقة والأحياء الجزيئية والأبحاث الصيدلية والطبية. ولقد كان إنشاء كرسيّ جامعة نزوى "النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية بقرار من رئيس الجامعة بمثابة مظلة لكل فروع العلم السَّابقة؛ حيث يضم الكرسيّ باحثين في تخصصات الكيمياء العضوية الطبيعيَّة والتَّصنيعيَّة والأحياء الدَّقيقة والجزيئيَّة، والَّذين يتمُّ تعيينهم من قِبل الجامعة، ويعملون تحت إشراف أستاذ الكرسيّ. وعن الباحثين في المشروع يضيف الحرّاصي: إنَّ معظم الباحثين هم من حملة الدُّكتوراه، ولهم باعٌ طويلٌ للعمل في هذا المجال، والَّذين أسهموا بشكل فاعل في الإشراف على مشاريع تخرُّج وتدريب عدد كبير من خرّيجي مختلف معاهد وجامعات السَّلطنة. كما شكَّل البحث في هذا المجال بيئةً بحثيَّةً خصبةً ساعدت في إيجاد ثقافة البحث العلمي وخلقها، وهو أحد أهداف الجامعة. فيما شكَّلت المعامل المجهَّزة فرصةً للعمل في مشاريع مشتركة لطلاب الدُّكتوراه وتبادل الباحثين داخل السَّلطنة وخارجها.

مشروع اللّبان العُماني وهدفه

        أمّا عن هدف المشروع وغاياته فيقول الدّكتور أحمد الحراصي: يهدف مشروع البحث إلى اكتشاف مركبات عضويَّة يمكن أن تكون مستقبلا كأدوية وعقارات من النَّباتات الطِّبيَّة العُمانيَّة، ويمكن تلخيص البحث في هذا المجال إلى جانبين؛ الجانب الكيميائيّ الَّذي يشمل استخلاص المركَّبات الكيميائيَّة عن طريق عدَّة خطوات في عمليَّات الفصل الكروماتوجرافي، ومن ثمَّ التَّعرُّف على تراكيبها الكيميائيَّة الدَّقيقة باستخدام عدَّة أجهزة، والتَّي تشمل الرَّنين النُّووي المغناطيسي، والأشعَّة تحت الحمراء، وجهاز مطياف الكتلة، وجهاز البولاريمتر، وفي بعض الأحيان جهاز أشعَّة أكس. وقد تعرَّفنا في زيت اللُّبان العُماني بالتّعاون مع كلية الزراعة والعلوم البحرية بجامعة السلطان قابوس على (98) مركبًا كيميائيًّا بنسب متفاوتة، ووجدنا أن مركَّب "الفاباينين" هو المكوَّن الأساسيّ في جميع أنواع اللُّبان العُمانيّ مهما اختلف لونها وقيمتها. كما أمكن استخدام الملف الكيميائيّ للزَّيت كسجل للتَّصنيف الكيميائيّ لتمييز شجرة اللُّبان العُمانيّ عن غيرها من اشجار اللُّبان الأخرى.

 \"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي

إنجازٌ علميّ عن اللبان العُماني

         وقد توصّل المشروع البحثي إلى إنجازٍ علميّ عن اللّبان العُماني؛ إذ يقول – أستاذ كرسيّ النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحريَّة-: إن الإنجاز المهمّ الّذي توصّلنا إليه حاليًّا\"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي–بحمد الله وفضله- يكمن في استخلاص مادة معروفة في اللّبان العُماني تسمى (AKBA) ومضاعفتها والوصول إلى درجةٍ من النّقاوة تتجاوز المادّة المباعة في الأسواق حاليّا. وهذه المادّة ذات قيمةٍ طبّية واقتصادية عالية، وتوجد بنسبة ضئيلة تقدّر بـ(1- 4%) في صمغ اللبان. حيث قمنا بمضاعفة هذه النّسبة ومعالجتها كيميائيا في خطوتين عن طريق تحويل المركّبات الأخرى إلى هذه المادّة، حيث وصلنا إلى نسبة (30%) كخلاصة نهائيّة. وأوضح الحرّاصي أنّهم قاموا بتوثيق أبحاثهم والأبحاث السّابقة عن اللبان في بحثٍ تمّ قَبوله للنشر في إحدى المجلات العريقة الّتي تنتمي إلى المجتمع الكميائي الأمريكي.

          وأضاف: إن مادّة (AKBA) مادةٌ مهمّةٌ تنتمي إلى أحماض اللبان، وبالتّحديد إلى التربينات الثّلاثيّة، وهي غير موجودةٌ في الزيت، كما أنها غير موجودة في أوراق الشّجرة ولا في الجذع؛ لكنّها موجودةٌ في الصّمغ في أحسن الأحوال بنسبة (4%)، وهي مادّةٌ معروفةٌ، وتمّ استخلاصها مسبّقا وأكثر التجارب حولها كانت في صمغ اللّبان الهندي. وبعدما وصلنا إلى نسبة وجود هذه المادة المهمّة طبيّا في اللبان العُماني، فكرنا في الّذي يمكن أن نضيفه؛ ولذلك استحدثنا طريقةً لمعالجة صمغ اللبان كيميائيا في خطوتين، واستطعنا –بفضل الله- أن نرفع هذه النسبة من (4%) إلى (30%)، ثمّ استعملنا جهاز الفصل الأتوماتيكي، الذي من خلاله استطعنا أن نفصل المادّة، والوصول إلى درجة نقاوة تقدّر بـ(99.6%)، وسبب كلفة هذه المادة العالية؛ أنه لا يوجد تصنيعٌ كامل لها، بالإضافة إلى أهميتها الطبية. وأشار الحرّاصي إلى أن فريق المشروع يأمل في أن تلقى هذه المادّة وموادّ تمّ فصلها من صمغ اللبان العُماني –وهي مواد ذات أهميّة كبيرة- اهتمامًا ودعمًا كبيرين؛ لكي نستطيع إنتاج هذه المادة صناعيا، الأمر الذي بدوره سيحقّق عائدًا اقتصاديا كبيرًا للبلد. وقد أنهينا مقترحا بحثيا لتصنيع (34) مشتقةً من مادة الـ(AKBA)، وذلك عن طريق التعديل الجزئي في التركيب الكيميائي.

موادّ أخرى واعدة في الجانب الطبي

          واستطرد الدّكتور أحمد الحراصي في حديثه قائلا: إضافةً إلى المادّة السّابقة، استطعنا –بفضل الله- فصل أكثر من (25) مركّبا من المركبات الموجودة في صمغ اللبان العُماني؛ حيث\"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالميإن بعض هذه المركبات جديدة كليّا، وهذه البحوث تمّ نشر بعضها، وبعضها الآخر هو في قيد النّشر. وقال: لدينا اهتمام بمادّة أخرى في اللبان، وحسب بعض البحوث الّتي نشرت في هذا الجانب ستكون مادّةً واعدةً في الجانب الطبي، وهي مادة (الإنسنسول)، ونعمل حاليّا على تكثييف أدخنة اللبان لمحاولة مضاعفة هذه المادّة.

         وتحت مظلّة كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية بالجامعة نقوم أيضًا ببعض الاختبارات الحيويّة، واختبار هذه المركبات المستخلصة، وبعضها المصنّعة كمضادّات للبكتيريا والفطريات، ونتعاون مع ثلاث جامعات في مجال أبحاث السّرطان.

اهتماماتٌ بحثيةٌ أخرى بصمغ اللبان

         وفي إطار الاهتمامات الأخرى الّتي يقوم بها كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحريّة بجامعة نزوى، يقول الحرّاصي: لدينا اهتمامٌ بمعرفة آليةٍ تكوّن الصمغ في شجرة اللبان؛ إذ توصّلنا إلى مؤشّرات –لا ترقى إلى درجة الجزم- بأنه ربّما يكون للفطريات دورٌ في تكوين صمغ اللبان، كما نقوم حاليا بتحليل بعض المكونات وفصلها من ستّة نباتات أخرى ذات أهميّة طبية من الجبل الأخضر.  

البنية الأساسيّة للمشروع

          وعلى صعيد البنية الأساسيَّة للمشروع البحثي الرّائد يحدثنا الدّكتور أحمد الحراصي بقوله: إنّ جامعة نزوى لم تألُ جهدًا في إنشاء معامل مجهَّزة بأحدث الأجهزة العلميَّة الضَّروريَّة للقيام بهذا البحث، كما تمّ استقطاب الكثير من الأجهزة العلميَّة كأجهزة الفصل الكروماتوجرافي بمختلف أنواعها، وأجهزة المِطْياف وأجهزة الأشعَّة تحت الحمراء والأشعَّة فوق البنفسجيَّة، وغيرها، وسنقوم بتدشين جهاز الرنين النووي المغناطيسي خلال الشهر القادم –بحول الله-، وقد شرعت الجامعة في إنشاء معمل متكامل متخصص في أبحاث السرطان، وهي حاليا تستقطب باحثين متخصصين في هذا المجال. وفيما يتعلّق بالكادر البشري فقد أولت الجامعة جلّ اهتمامها في استقطاب كوكبةٍ من الباحثين المؤهلين في مجالات الكمياء العضوية وكيمياء النباتات، بالإضافة إلى متخصصين في مجال الأحياء الدقيقة والأحياء الجزيئية، وبتعاون الكرسي مع أكثر من (15) جامعةً ومركز أبحاث ومعمل تحليل في كلّ من الولايات المتحدة الأمريكيّة والمملكة المتّحدة وأستراليا وسويسرا، كما أننا نتعاون أيضا مع كلية الطب وكلية الزراعة والعلوم البحرية بجامعة السلطان قابوس.

 \"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي

مغالطاتٌ حول المشروع

          ونبّه الحراصّي بأنّ هناك مغالطاتٌ وأخطاء نشرت حول هذا الإنجاز، حيث تداولت بعض وسائل التّواصل الاجتماعي الموضوع بشكلٍ محرّفٍ، وكان لزامًا علينا تصحيح هذه النقاط؛ فالموضوع يتعلّق باستخلاص ومضاعفة مادّةٍ ذات أهمية طبية عالية، وذات جدوى اقتصادية كبيرة جدا من صمغ اللبان العُماني، وهذه الطّريقة هي قيد التّسجيل كبراءة اختراع. وأضاف: وبنوعٍ من التفصيل، إن مادة (AKBA) التي تمّ استخلاصها ومضاعفتها ذات فائدة طبيّة؛ حيث جرّبت هذه المادة على مستوى الخليّة في كثير من أنواع السرطانات، وهنا أريد أن أشير إلى أنّ هذه التّجارب نشرت من قبل مجموعاتٍ بحثيّة متعدّدة في العالم؛ من جامعات ومراكز أبحاث عريقة.

 \"كرسي النباتات الطبية العُمانية ونواتج الأحياء البحرية\" يحقّق إنجازًا علميًّا بإعادة اللّبان العُماني إلى صدارة الاهتمام العالمي

دعوة إلى دعم المشاريع البحثية

          وختم الدّكتور أحمد اللقاء بقوله: في هذا الصّدد أتقدّم بخالص الامتنان إلى مولانا حضرة صاحب الجلالة السّلطان قابوس بن سعيد المعظم –حفظه الله ورعاه- على دعم جلالته الكريم للبحث العلمي وللباحث العُماني، كما أتقدّم بالشكر العميق إلى مجلس البحث العلمي وجامعة نزوى، ورئيسها لدعمه الشخصي. كما لا أنسى أن أشكر الفريق البحثي القائم على هذه المشاريع من وافدين وعمانيين، وإننا نتطلع إلى مزيدٍ من الدّعم في هذا الجانب في المشاريع القائمة والمشاريع القادمة؛ حتى لا يكون مصيرها التوقّف.