|   05 يوليو 2025م
السابقالتالي


تغطية- عبدالله بن محمَّد بن سليمان البهلاني

          والطَّالبة رقيَّة بنت ناصر الرِّياميَّـة:

المفتي العام للسَّلطنة يثري المؤتمر الطُّلابي الرَّابع للجامعة بمحاضرة \"التَّنشئة الصَّالحة للأجيال.. رسالة الأسرة والمجتمع\"

- المفتي العام للسَّلطنة في محاضرته بالمؤتمر الطُّلابي الرَّابع بالجامعة "التَّنشئة الصَّالحة للأجيال.. رسالة الأسرة والمجتمع": طبيعة البشر تقتضي من الجميع بأن تكون ذريته على النَّهج الصَّحيح..

- الإيمان ليس أمرًا نظريًّا طافيًا على سطح الحياة فحسب؛ وإنَّما هو حقيقةٌ راسخةٌ في النُّفوس، حقيقةٌ تؤثِّر على هذه النُّفوس تأثيرًا حقيقيًّا..

- الثَّروة البشريَّة هي أعظم ثروة، ولا عبرة بالكميَّة وإنَّما العبرة بالنَّوعيَّة، فعلينا أن نحرص على أن تكون النَّوعيَّات الَّتي نربِّيها نوعيَّاتٍ فاضلةً، تحرِصُ على تقوى الله تعالى، وعلى الاستقامة في السَّريرة والعلانيَّة..

ألقى سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسَّلطنة مساء الإثنين (20/4/2012م) محاضرةً بعنوان "التَّنشئة الصَّالحة للأجيال.. رسالة الأسرة والمجتمع"، وذلك ضمن فعاليَّات المؤتمر الطُّلابي الرَّابع بجامعة نزوى. حيث استهلّ سماحته المحاضرة بالحمد والثَّناء على الله سبحانه وتعالى، والصَّلاة على المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم، وقال سماحته: نحمد الله تعالى أن جمعنا في هذا الجمع من أجل أن نتدارس قضيَّةً من أهمِّ القضايا، وهي قضيَّةُ ما على الأسرة والمجتمع في حقِّ الأجيال النَّاشئة؛ حتَّى تنشأ هذه الأجيال على النَّهج السَّليم، ولا ريب أنَّ كل أحد ينظر إلى مستقبله، ويرى مستقبله متمثِّلا وممتدًّا في الجيل الَّذي يعقبنا؛ لأنَّ طبيعة البشر تقتضي أن يحرص كلُّ أحدٍ بأن تكون ذريَّته على النَّهج الصَّحيح، هذه الفطرة السَّليمة الَّتي فطر الله تعالى البشر عليها. وإنَّما الانحراف عن هذا المنهج السَّليم وعن الفطرة هو الَّذي يجعل النَّاس لا يفكرون في مصير ذراريهم، فالله سبحانه وتعالى جعل كلَّ حياةٍ من حياة البشر تصل إلى غايةٍ تنتهي عندها. وإنما البقاء لله تعالى وحده؛ ولذلك يحرص الإنسان على أن يعِّقب ذريَّةً تمتدُّ فيها حياته، بل عندما يضعف يرى أنَّه تتجدَّد قوَّته ويتجدَّد شبابه في هذه الذُّريَّة.

وأضاف سماحته: "الإنسان بطبيعة الحال يحرص دائمًا على أن يجنِّب ذريَّته كلَّ المخاطر، فكلُّ خطرٍ يضرُّ أيَّ أحدٍ من أولاده أو أيِّ واحدٍ من ذريَّته يحسُّ بأنَّه أمرٌ عظيمٌ عليه؛ لأنَّ الأولاد هم أفلاذ الأكباد، وهم ثمرات الفؤاد". وقال: "ولمَّا كانت هذه هي الفطرة؛ فإنَّه يجدر بأيِّ أحدٍ أن يحرص على أن تكون ذريَّته ذريَّةً صالحة؛ ليكون مع ذريَّته كما قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ"، فالإنسان العاقل يفكِّر في مستقبله أكثر ممَّا يفكر في حاضره، و يرنو إلى مصلحته في آخرته أكثر ممَّا يرنو إلى مصلحته في دنياه؛ ولذلك يجب عليه أن يريد الخير لهم ولنفسه، وإذا كانت الفطرة الزَّكية تقتضي أن يكون الإنسان مشفقًا على أولاده من هبوب الرِّيح، فكيف لا يشفق عليهم من عذاب الله سبحانه وتعالى. والمجتمع إنَّما يقاس بحال النَّاشئة الَّتي تتكوَّن منه؛ فبقدر ما تكون هذه النَّاشئة من صلاحٍ يكون مستقبله مستقبلًا واعدًا، وبقدر ما يكون حال هذه النَّاشئة حال فسادٍ وانحلال؛ فإنَّ مستقبله أيضًا تؤذن حالته بالانحلال وبالفساد والعياذ بالله. فإنَّ شباب كلّ أمَّةٍ من الأمم هم مقياسٌ تقدُّمها وتأخُّرها، ورقيِّها وانحطاطها؛ فلذلك كان لزامًا على لاجميع أن يحرص على تنشئة الشَّباب على الخير، وتربيتهم على الاستقامة؛ على أنَّ صفوة خلق الله تعالى، وهم رسله المصطفون الأخيار، إنَّما بعثوا بالتَّربية، وبعثوا بالتَّزكية، فكانوا مربِّين لشعوبهم، وكانوا مزكِّين لأنفسهم، وكانوا حريصين على استقامة أممهم وأقوامهم؛ ولذلك بذلوا النَّفس والنَّفيس من أجل إخراج النَّاس من الظُّلمات إلى النُّور، ومن العمى إلى البصيرة، ومن الضَّلال إلى الهدى".

وأوضح سماحة الشَّيخ أنَّ أوَّل ما يجب أن تنشَّأ على النَّاشئة هو الإيمان، حيث قال: "إنَّ أوَّل ما تزكَّى به النُّفوس الإيمان، هذا الإيمان هو الَّذي يقلب مجرى الحياة من الشَّر إلى الخير، ومن الفساد إلى الصَّلاح، ومن الضَّلال إلى الهدى. فالإيمان يحوِّل الإنسان فجأةً من تصوُّرٍ للحياة إلى تصوُّرٍ مناقضٍ له، ولا أدلَّ على ذلك من قصَّة سحرة فرعون الذين كانوا لا ينظرون إلا إلى حطام هذه الحياة الدنيا، ويرغبون في التَّنافس فيه؛ ولذلك قالوا لفرعون: "أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ"، كانوا ينظرون إلى المنفعة المادِّيَّة الَّتي يرجونها من فرعون، قد أدرك فرعون أنَّه بجانب هذا أيضًا يحرصون على أن يكونوا متباهين بالقرب منه؛ ولذلك قال لهم: " نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ"، ولكن لما خالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وامتزج بمشاعرهم، انتقلوا إلى النَّقيض من ذلك؛ فإنَّهم قالوا لفرعون: " قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنيا".

فيما أكَّد سماحة المفتي العام للسَّلطنة: "أنَّ الإيمان ليس أمرًا نظريًّا طافيًا على سطح الحياة فحسب؛ وإنَّما هو حقيقةٌ راسخةٌ في النُّفوس، حقيقةٌ تؤثِّر على هذه النُّفوس تأثيرًا حقيقيًّا، بحيث لا تزعزعه الزَّعازع مهما كان، ولا تؤثِّر عليه التَّيَّارات. فالإيمان لمَّا يكون راسخًا في النَّفس يكون أرسخ من الجبال الرَّواسي، لا يمكن أن يتزعزع لأيِّ مزعزع؛ لذلك نجد الله تعالى بيَّن الحقائق الَّتي يجب أن يؤمن بها الإنسان لتمتزج هذه الحقائق بمشاعره وأحاسيسه، ويصوغ من خلالها حياته؛ فإنَّ الإيمان إنَّما يكون إيمانًا بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشرِّه من الله تعالى. هذه الأركان كلُّ ركنٍ منها له أثرٌ كبيرٌ في تهذيب النَّفس الإنسانيَّة، وفي تحديد منهجها في هذه الحياة، ولكن أهمَّ هذه الأركان جميعا ركنان هما الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك يأتي في كتاب الله تعالى وفي سنَّة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الإيمان باليوم الآخر مقرونًا بالإيمان بالله؛ لأنَّ من جمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر فكأنَّما أمسك بحبل الإيمان من طرفيه، واحتوى الإيمان كلَّه من قطريه".

المفتي العام للسَّلطنة يثري المؤتمر الطُّلابي الرَّابع للجامعة بمحاضرة \"التَّنشئة الصَّالحة للأجيال.. رسالة الأسرة والمجتمع\"

بعد ذلك أفاض سماحة الشيخ المفتي العام للسَّلطنة على الحضور الَّذي تجاوز السِّتة آلافٍ شخص، أفاض عليهم من علمه في مجال التَّنشئة الصَّالحة وأوضح أنَّ الإيمان لن يتحقَّق إلا بحبِّ الله لا سواه، وحبِّ نبيِّه صلى الله عليه وسلَّم، وتقوى الله في كلِّ حال. كما ذكَّر سماحته الحضور بالتَّنشئة الَّتي كان ينشِّئ بها النبيُّ – صلى الله عليه وسلَّم- أصحابه، وكيف كان الصَّحابة ومن بعدهم من التَّابعين، ضاربًا سماحته الأمثلة الحيَّة على ذلك، وكيف أنجبت الأمة جيلًا ناشئًا واعيًا قاد العالم من أقصاه إلى أقصاه بمعاملته وأخلاقه.

وختم سماحة الشَّيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي محاضرته بكلماتٍ توجيهيَّةٍ للأمَّة قال فيها: "وعلى أيِّ حال، على الأمَّة إن أرادت أن تسير على هذا النَّهج، وأن تحافظ على البيت، وأن تحافظ على أجيالها، وأن تنشئها النَّشأة السَّليمة، فعليها أن تنشِّئها على النَّشأة الَّتي نشَّأ بها النبيُّ –صلى الله عليهم وسلَّم- أصحابه؛ ليكون الجيل النَّاشئ امتدادًا لتلك الأجيال، وليكون هؤلاء هم الَّذين يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ). فعلى الجميع أن يحرص على ذلك، وعلى الآباء والأمَّهات أوَّلا أن يكونوا هم بأنفسهم مثالًا في تربية الأولاد؛ لأنَّ التربية الخلقيَّة والعمليَّة هي أنجح من التَّربية القوليَّة، فأولئك السَّلف العظام، إنَّما مكَّن الله لهم من قلوب النَّاس قبل أن يمكِّن لهم من ديارهم؛ مكَّن لهم من قلوب النَّاس بسبب هذه الأخلاق الَّتي تحلَّوا بها، كانوا مثالًا في الأخلاق، افتتحوا – كما قال نابليون- نصف الكرة الأرضيَّة في نصف قرنٍ من الزَّمان في ذلك الوقت، الَّذي لم تكن فيه وسائل كهذه الوسائل، لماذا؟! إنَّما كان ذلك بالأخلاق الفاضلة، كان بالتَّمسُّك بأهداب الفضيلة، كان الإيمان ملء قلوبهم، وكانت حياتهم صورةً حيَّةً لهذا الإيمان؛ فقد كانوا يمثِّلون الإيمان في كلِّ جزئيَّةٍ من جزئيَّات الحياة؛ لذلك ما فرَّطوا في شيءٍ من أوامر الله - سبحانه وتعالى-، فأتتهم الدُّنيا خاضعةً ذليلة، ولا يصلح آخر هذه الأمَّة إلا ما أصلح أوَّلها.

فإذًا علينا جميعًا أن نحرص على نكون – أنفسنا-، وأن تكون أجيالنا النَّاشئة من أولئك الَّذين يقولون: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)، وأن نحرص جميعًا على أن نكون مع ذريَّتنا من الَّذين قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شيء)، علينا أن نحرص على هذا؛ وهذا هو النَّجاح، فأعظم ثروةٍ إنَّما هي ثروة البشر. الثَّروة البشريَّة هي أعظم ثروة، ولا عبرة بالكميَّة وإنَّما العبرة بالنَّوعيَّة، فعلينا أن نحرص على أن تكون النَّوعيَّات الَّتي نربِّيها نوعيَّاتٍ فاضلةً، تحرِصُ على تقوى الله تعالى، وعلى الاستقامة في السَّريرة والعلانيَّة. أسأل الله ذلك لي ولكم وأن يوفِّقنا لكلِّ خير وأن يحفظنا من كلِّ سوء.

بعد ذلك أجاب سماحة الشَّيخ على أسئلة واستفتاءات الحضور فيما يخصُّ التَّنشئة الصَّالحة وغيرها من المواضيع المتعلِّقة بالتَّنشئة.

وكان سماحته قبل إلقاء محاضرته القيِّمة زار مركز "دارس للبحث العلمي والتَّطوير التَّقني" في الجامعة، واطَّلع على ما يحتويه من أقسام برفقة الأستاذ الدُّكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي - رئيس الجامعة-، والأستاذ الدُّكتور عبدالعزيز بن يحيى الكندي – نائب الرَّئيس للشؤون الأكاديميَّة-، والأساتذة عمداء الكليَّات بالجامعة، كما تابع سماحته خلال تجواله في المركز سير مشروع دراسة شجرة اللُّبان المعتمد من قبل مجلس البحث العلمي بالسَّلطنة.

المفتي العام للسَّلطنة يثري المؤتمر الطُّلابي الرَّابع للجامعة بمحاضرة \"التَّنشئة الصَّالحة للأجيال.. رسالة الأسرة والمجتمع\"