افتتح سعادة الشّيخ أحمد بن سعود السيابي -الأمين العام بمكتب الإفتاء- أمس فعاليّات المؤتمر الطّلابي الخامس للجامعة، والَّذي يحمل هذا العام عنوان "الشَّباب والمشاركة الإيجابيَّة في بناء المجتمع"، وبرؤيةٍ ثاقبةٍ تتلخَّص في بناء جيلٍ شبابيٍّ يتمتَّع بفكرٍ إيجابيٍّ يبني المجتمع والوطن، ويكون سندًا أصيلًا لرفعة الأمَّة ورفعتها. كان ذلك بحضور الأستاذ الدُّكتور أحمد بن خلفان الرَّواحي –رئيس الجامعة-، ووفدٌ رسميّ من جامعتي المنصورة والإسكندريَّة بجمهوريّة مصر العربية الشَّقيقة، إلى جانب نوّاب الرَّئيس ومساعديه، وعمداء الكليَّات، والهيئتين الأكاديميَّة والإداريَّة بالجامعة، وجمعٌ من الطلبة والطالبات.

       ويشارك في المؤتمر هذا العام أطيافٌ مختلفةٌ من مؤسَّسات التعليم العالي من داخل السَّلطنة وخارجها، فيما بلغ عدد الأوراق التي تقدّم فيه اثنتين وثلاثين ورقةً على مدار ثلاثة أيَّام تدور حول العديد من المحاور من بينها الشَّباب ودوره في العمل الاجتماعي والتَّنموي، ودوره في إحداث التَّغيير الاجتماعيِّ الإيجابيّ، والإسهام في تحقيق طموحات المجتمع وآماله، ودوره في الوقاية والتَّعامل مع التَّحدِّيات المختلفة الَّتي تهدِّد سلامة المجتمع، إلى غيرها من المحاور.

        بدأت فعاليّات المؤتمر بآيات من الذكر الحكيم تلاها الطالب جمال الحبسي، ثمَّ ألقى الطَّالب أيمن بن محمَّد الرَّواحي -رئيس المجلس الطّلابي في الجامعة- كلمة المؤتمر قال فيها: لقد نالتْ قضايا الشّباب في الآونة الأخيرة أهميّةً قصوى، وأضحتْ تحتلّ موقعًا بارزًا عند معالجة أيّ بعدٍ من أبعاد التّنمية بالمفهوم الإنسانيّ الشّامل. وتعدّ عمليّة المشاركة الإيجابيّة في بناء المجتمع منظومةً متكاملةً يشترك فيها جميع مؤسّسات المجتمع، بدءًا بالأسرة الّتي تعتبر الحلقة الأولى المهمّة في عمليّة التّنشئة الصّالحة ومرورًا بمؤسّسات التّعليم العام والعالي الّتي تكرّس مفهوم التّنشئة وقيمها عبر السّلوكيّات الواعية الّتي يمارسها الطّلاب عبر منظومةٍ إجرائيّةٍ تهدف إلى غرس الانتماء للوطن وتنميته، وتكوين مواطنٍ صالحٍ مشبّعٍ بالرّوح الوطنيّة والمواطنة الصّادقة  وانتهاءً بالمجتمع الكونيّ في الوجود.

        وأضاف الرَّواحي: تسعى الجامعة من تنظيم هذا المؤتمر إلى الإسهام بشكلٍ فاعلٍ بناء جيلٍ شبابيٍّ يتمتّع بشخصيّةٍ متكاملةٍ من خلال برامج متخصّصةٍ وبشراكةٍ مجتمعيّةٍ متميّزة وغرس قيم المشاركة المجتمعيّة في نفوس الشّباب وذلك من إبراز أهميّة الشّباب في النّسيج الاجتماعي للمجتمع وتوضيح أدوارهم الحاليّة والمستقبليّة، وتفعيل المشاركة الإيجابيّة للشّباب في برامج التّنمية المجتمعيّة، وإبراز أهمّ تحدّياتها واستكشاف قدرات الشّباب الكامنة والعمل على توظيفها عمليًّا في خدمة مجتمعاتهم، إلى جانب تنمية أساليب التّعامل وطرق الوقاية من التّحدّيات الّتي تواجه المشاركة المجتمعيّة الإيجابيّة للشّباب. إلى غير ذلك من الأهداف والغايات.

        أعقب ذلك الجلسة الأولى الافتتاحيَّة حيث قدَّم فيها سعادة الشَّيخ أحمد السِّيابي راعي الحفل محاضرةً بعنوان "الشَّباب والمشاركة الإيجابيَّة في المجتمع"، وقال فيها: إنّ الشَّباب هي المرحلة العُمريَّة القويَّة في حياة الإنسان، بل وفي حياة أيِّ كائنٍ حيٍّ سواء كانت في الإنسان أو الحيوان أو النبات والشَّجر، فكلُّ كائنٍ توجد فيه حياةٌ لا بدّ من أن تكون له مراحل عمريَّة ، ولا شكَّ أنَّ أهمَّ هذه المراحل العُمريَّة هي مرحلة الشَّباب؛ لأنَّها مرتبطةٌ بالقوَّة والفتوَّة لذلك هي بالنِّسبة إلى الكائن الإنسانيِّ أطول الفترات العُمريَّة والحياتيَّة، وكونها أطول الفترات العُمريَّة لأنَّها تؤسِّس لما بعدها من مرحلة الكهولة والشيب، فمن شبَّ على شيءٍ شاب عليه، ومن هنالك كثر في الأدبيَّات البكاء على مرحلة الشَّباب، وكثر الحنين إليه سواء على ما أضاع الإنسان من الأعمال الصَّالحة وأمور الخير أو ما أضاع فيها من التَّزود اللَّذات على حدّ قول الشَّاعر:

إنّ الشَّباب الَّذي مجدٌ عواقبه ... فيه نلذّ ولا لذاتٍ للشَّيبِ

        وأضاف السِّيابي: لذلك عُني الإسلام عنايةً بالغةً بتوجيه الإنسان في مرحلة الشَّباب إلى تأسيس الحياة الجادَّة المرتبطة بالأعمال الصَّالحة الَّتي من شأنها أن تخدم المجتمع الإنسانيّ خدمةً صالحةً ناجحة؛ لكي تكون المشاركة الإيجابيَّة. والمشاركة الإيجابيَّة هي الَّتي ينبني عليها المجتمع لا المشاركة السّلبيَّة، لذلك أمر النَّبيُّ – صلّى الله عليه وسلَّم- الإنسان أن يغتنم مرحلة الشَّباب كإحدى الغنائم الخمس في الحياة، بقوله: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحَّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك". وأوضح أنّه لكي يكون الإنسان الشَّاب مشاركًا إيجابيًّا في بناء مجتمعه  فإنَّه لابدّ له أوَّلا من التَّخلِّي عن السِّلبيَّات والصِّفات الذميمة والتَّحلِّي بعد ذلك بالإيجابيَّات والصِّفات الحميدة كما وصف أبو حمزة الشَّاري أصحابه الشَّباب الَّذين كانوا مثل أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم- شبابًا. واختتم السِّيابي محاضرته بذكر مقوِّمات مشاركة الشَّباب الإيجابيَّة في بناء الأمَّة، والَّتي منها أوَّلا الدِّين، ثمَّ الخلق، ثم السُّلوك، مركِّزًا سعادته على مقوّم الثَّقافة، حيث شدَّد على أن تكون ثقافة الشَّباب هي ثقافة مجتمعهم أوَّلا، فلا بد للشَّباب من معرفة ثقافة بيئتهم وتاريخ وطنهم وقيمه، لا أن ينجروا إلى ثقافات غيرهم، وأشار سعادته إلى أنَّه للأسف الثَّقافة العُمانيَّة في هذه الأيَّام غائبةٌ عن المجتمع العُماني، وخاصَّةً عن الشَّباب، ودعا إلى إعادة هذا التَّصوُّر وغرس الثقافة العُمانيَّة الأصيلة والتَّاريخ والحضارة العُمانيَّة وإنجازاتها على مرّ العصور في أذهان شبابنا؛ لكي يكونوا قادرين على بناء المجتمع والوطن على أساس ثقافةٍ أصيلةٍ يفخر بها الجميع.

        بعد ذلك أتيح للحضور والمشاركين مجال الأسئلة والاستفسارات، حيث لقيت محاضرة سعادة الشَّيخ صدًى واسعًا بين الحضور الَّذين تفاعلوا مع ما جاء فيها من محاور. أعقب ذلك افتتاح سعادة الشَّيخ للمعرض المصاحب للمؤتمر، والَّذي يأتي هذا العام بعنوان "آفاق الشَّباب" وشاركت فيه العديد من الجامعات والمؤسَّسات العلمية من السَّلطنة وخارجها إلى جانب فنانين مستقلين.

        واستمرَّت فعاليَّات اليوم الأوَّل من المؤتمر بعرض عددٍ من المحاور الَّتي قسِّمت على عدَّة جلسات، وكانت الجلسة الثَّانية بدأت بورقة بحثيَّة لسعادة سليّم بن علي الحكماني –عضو مجلس الشُّورى ممثل ولاية محوت، وعضو اللَّجنة الوطنية للشَّباب-، حيث تناول فيها موضوع "الشَّباب بين القياة ومجلس الشُّورى"، وتحدَّث فيها عن دور اللَّجنة الوطنية للشَّباب في بناء جيلٍ شبابيّ قياديٍّ، يكون قادرًا في المستقبل أن يخوض غمار المجالس القياديَّة كمجلس الشُّورى وغيره من المجالس.

         وتوالت أوراق العمل أمس مركَّزةً على عدَّة موضيع مهمَّة منها: المهارات المكتسبة من برنامج العمل التَّطوُّعي في جامعة نزوى من وجهة نظر الطُّلاب، ودور الشَّباب في تنمية المجتمع العُماني، والحملات التَّطوُّعيَّة وأثرها في خدمة المجتمع العُماني، ودور الشَّباب العُماني في التَّنمية المجتمعيَّة من خلال استخدام تقنيات التَّواصل الاجتماعي، والعمل التَّطوعي وأثره على ذوي الإعاقة، ومدى فاعليَّة العمل التَّطوُّعي للشَّباب الجامعي نحو دمج ذوي الاحتياجات الخاصَّة في الجامعات.

         فيما تتناول أوراق عمل المؤتمر اليوم مواضيع منها: الشَّباب الجامعي ودوره في الأنشطة الجامعيَّة.. جامعة نزوى أنموذجًا، ودور الأنشطة التَّربويَّة في تنمية شخصيَّة الطَّالب، ودور الجامعات الخاصَّة في تنمية المجتمع، والشَّباب والمسجد، ومواقع التواصل الاجتماعي واستغلال الشاب العربي لها بين طرفيّ النقيض، ودور الشَّباب في تنمية قيم المواطنة، ومشاركة الشَّباب في اتخاذ القرارات السياسية.

        أمَّا اليوم الأخير (غدًا) فسيحفل بعدَّة أوراق عملٍ ثريَّةٍ منها الشباب المثالي من منظور الشاعر محمَّد إقبال، وكيف نحمي شبابنا من المخدّرات،  ودور الشباب في ذلك، والتفكير الإيجابي لدى طلبة الجامعة، ودور الأندية الرياضية العامّة في التَّنمية الثقافيَّة والتّربوية للشّباب، وستختم فعاليَّات المؤتمر بمحاضرةٍ لفضيلة الشَّيخ الدُّكتور كهلان بن نبهان الخروصي –مساعد المفتي العام للسَّلطنة- بعنوان "الشَّباب والمشاركة الإيجابيَّة في بناء المجتمع".